النص الكامل لكلمة السيد صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة، الموجهة إلى المؤتمر الثاني عشر  رؤساء البرلمانات الإفريقية، والتي ألقاها نيابة عنه، السيد محمد رضا أوسهلة، نائب رئيس مجلس الأمة، رئيس الوفد البرلماني المشارك

النص الكامل لكلمة السيد صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة، الموجهة إلى المؤتمر الثاني عشر رؤساء البرلمانات الإفريقية، والتي ألقاها نيابة عنه، السيد محمد رضا أوسهلة، نائب رئيس مجلس الأمة، رئيس الوفد البرلماني المشارك

19 سبتمبر 2024 / الندوات و المؤتمرات البرلمانية, الدبلوماسية البرلمانية, آخر الأحداث.

كلمة

السيد صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة

في المؤتمر السنوي الثاني عشر لرؤساء البرلمانات الافريقية

يلقيها نيابة عنه السيد محمد رضا أوسهلة نائب رئيس مجلس الأمة، رئيس الوفد البرلماني الجزائري) میدراند (جمهورية جنوب إفريقيا) / 18 - 20 سبتمبر 2024(

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

إنه لمن دواعي سروري أن أشارك في مؤتمر رؤساء البرلمانات الإفريقية، ممثلا للسيد صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة الجزائري، وأقاسم هذا الجمع الكريم هموم الشأن الإفريقي واستشراف آفاقه على ضوء التحولات الدولية الخطيرة والمتسارعة، وأشاركهم الجهود لإيجاد الحلول الكفيلة بتمكين قارة إفريقيا من المكانة والريادة التي تستحقها، وشعوبها من حقها في الحرية والسيادة وفي الأمن والسلم والتنمية والاستقرار... أود أن أبلغ جميع الحاضرين تحيات السيد صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة الذي كلفني بتلاوة كلمة نيابة عنه، هذا نصها:

 السيد رئيس البرلمان الإفريقي،

 السيدات والسادة رؤساء البرلمانات الإفريقية،

 السيدات والسادة أعضاء البرلمان الإفريقي،

 السيدات والسادة الحضور. 

تحياتي الخالصة إليكم جميعا، وبالخصوص إلى رئيسي وأعضاء برلمان جمهورية جنوب إفريقيا بغرفتيه، ومن خلالهم إلى شعبها الإفريقي الأصيل، وتمنياتي بالنجاح الأشغال المؤتمر الثاني عشر لرؤساء البرلمانات الإفريقية الذي يعد مناسبة دورية كريمة يلتف خلالها ممثلو الشعوب الإفريقية حول المواضيع التي يحددها اتحادنا الإفريقي، ويتباحثونها من منظور برلماني خاص ويطرحون مقارباتهم النابعة من تصورات وتطلعات الشعوب، ويواكبون في ذلك التطورات الدولية والإقليمية التي نعايشها بصمود لا يخلو من الصعوبة، في ظل عالم يفاجئنا كل يوم بمزيد من التحول والفوضى...

أحيي الموضوع الذي اختاره الاتحاد الإفريقي للعام 2024، والمتعلق ببناء أنظمة تعليمية مرنة في إفريقيا، وتسليطه الضوء بذلك على أكبر محرك لإفريقيا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وخطة 2063 للاتحاد الإفريقي، وهو توفير التعليم الشامل المتميز والمتواصل عالي الجودة المرتبط بالتحولات المعرفية العالمية في القرن الواحد والعشرين والقادر على إلحاق الشباب الإفريقي بقاطرة الرقمنة والابتكار وتكنولوجيا المعلومات...

لقد ثبت الأفارقة طويلا أمام مؤشر "الحد الأدنى" الذي لازم الخطط والسياسات الدولية الموجهة نحوهم، وبات مشروعا توسيع الآفاق نحو النهوض بقطاعات التربية والتكوين والتعليم في إفريقيا وترقيتها إلى أعلى المستويات، واعتبار التعليم النوعي الذي يسمح بالاندماج الناجح في الأنظمة الاقتصادية الجديدة القائمة على العلوم والمعارف، اعتباره أولوية قصوى لا تقل أهمية ولا استعجالا على تعميم التعليم وتقريبه من الواقع اليومي للمجتمعات الإفريقية...

ورغم ذلك، وللأسف لا تملك أغلب دول القارة بعد رفاهية تحقيق الحد الأدنى من التعليم للأجيال الإفريقية الجديدة في وجود بيئة سياسية واقتصادية وأمنية محبطة، يعززها الاحتلال والحروب والصراعات التي تستنزف قدرات وموازنات الدول، وتشتت أولويات أجنداتها التنموية وتضعف فاعلية سياساتها التعليمية، وتدفعها نحو الاكتفاء بضمان الحد التعليمي الأدنى عبر تمكين الأطفال من الالتحاق بالمدارس، دون مباشرة ترقيته نحو نظام تعليمي شامل ومرن يلائم متطلبات القرن.

في الجزائر، ندرك تماما دور التعليم الفعال في تكريس النهضة وفي تسريع نتائج الإصلاحات وتلبية متطلبات اقتصاد المعرفة الذي ننتقل إليه بتدرج وثقة في الجزائر الجديدة التي يرسي دعائمها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون... وذلك من خلال سياسة تربوية تستمد أسسها من أحكام الدستور والنصوص التشريعية والتنظيمية.. كما ندرك دور نوعية التعليم في تأهيل الشباب للاندماج في هذا المسعى وفي تكوين النخب وإنجاح التموقع في منهج اقتصادي جديد منتج للثروة وقائم على المشاريع المبتكرة... وقد باشرت الجزائر من أجل ذلك عديد المبادرات منها اعتماد الكتاب الرقمي وتزويد المدارس الابتدائية باللوحات الالكترونية، وكذا، عصرنة الجامعة وإدراج أنماط تكوين جامعي جديدة، وإنشاء مدارس للذكاء الاصطناعي، وفتح حاضنات في الجامعات الجزائرية، من أجل تجسيد أفكار الطلبة ومرافقتهم لتحويلها إلى مؤسسات ناشئة تشكل حاليا قاطرة الاقتصاد الوطني.. كل ذلك دون التخلي عن مجانية التعليم في جميع أطواره، والذي يعد أحد المكتسبات الثابتة لاجتماعية الدولة...

في هذا السياق، أذكر بالدخول المدرسي المرتقب في الثاني والعشرين من سبتمبر الجاري والذي سيشهد التحاق 11 مليون تلميذ بمدارسهم، موزعين على 30 ألف مؤسسة تربوية ويؤطرهم نصف مليون أستاذ... لقد ضمن دستور 2020 الحق في التربية والتعليم لكافة الجزائريات والجزائريين، ونص على أن الدولة تسهر باستمرار على تحسين جودتهما.. وعلى إجبارية ومجانية التعليم، وكذا، على ضمان حياد المؤسسات التربوية والحفاظ على طابعها البيداغوجي والعلمي، قصد حمايتها من أي تأثير سياسي أو إيديولوجي...

في بلادي، تأخذ سياسات التعليم على عاتقها بناء أجيال محصنة بالوعي وبالمواطنة والقيم الوطنية النابعة من مبادئ ثورتنا التحريرية المظفرة، فالقرن الواحد والعشرون الذي تشهد سنواته الأولى تحولات صادمة، يتطلب حماية أبنائنا من التضليل والتلاعب والفتن التي تتفشى في القارة الإفريقية، وتقتات عليها القوى الاستعمارية والجماعات الإرهابية وحركات التطرف... وفي هذا الإطار، ينص القانون التوجيهي للتربية الوطنية أن من بين الغايات الكبرى للمدرسة الجزائرية " : إرساء ركائز مجتمع متمسك بالسلم والديمقراطية، متفتح على العالمية والرقي والمعاصرة، بمساعدة التلاميذ على امتلاك القيم التي يتقاسمها المجتمع الجزائري، والتي تستند على العلم والعمل والتضامن واحترام الآخر... 2، بالإضافة إلى "تنمية الحس المدني لدى التلاميذ وتنشئتهم على قيم المواطنة... ومنح تربية تنسجم مع حقوق الطفل وحقوق الإنسان، وتنمية ثقافة ديمقراطية لدى التلاميذ بإكسابهم مبادئ النقاش والحوار وقبول رأي الأغلبية، ويحملهم على نبذ التمييز والعنف، وعلى تفضيل الحوار3".

إننا في الجزائر، لا نفصل أهدافنا الاقتصادية وسياساتنا التنموية عن بعدنا الإفريقي الذي نحرص عليه ويحظى باهتمام خاص من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون... فإلى جانب المشاريع القارية الكبرى في إطار أجندة 2063 ، تواصل الدولة الجزائرية برامج تبادل الخبرات التعليمية مع الدول الإفريقية، وتعتز باحتضانها طلبة أفارقة في جامعاتها ومعاهدها ، في إطار آلاف المنح الدراسية والتكوينية لفائدة أبناء القارة ... كما نعمل بصدق من خلال المنظمات القارية الجامعة وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي والبرلمان الإفريقي على تحسين وضع التعليم وزيادة تمويله وكذا، المعالجة الجذرية للأسباب الاقتصادية والأمنية التي تساهم في عرقلته، من خلال حل النزاعات بالطرق السلمية ومكافحة الإرهاب والتغير المناخي والفقر والهجرة غير الشرعية، والقضاء على الاستعمار وممارساته الاستبدادية التي تتعمد تجهيل الشعوب وتشويه وعيها بنشر الخرافات والعقائد الفاسدة، مثلما حدث في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية...

إن ماسي إفريقيا التي انجر عنها سوء التعليم وغياب تمويله الكافي، تتطلب تظافر الجهود الدولية والقارية لجسامة المسؤولية.... كما تتطلب صياغة تحول ديمقراطي حقيقي بخصوصية إفريقية خالصة تناسب هذه القارة الغنية بالثروات المادية والبشرية وبالنضالات وتضحيات الشعوب.. وحدها الديمقراطية الحقيقية قادرة على إنقاذ المنطقة من محدودية الخيارات وتطهيرها من العنف والنزاع والاقتتال والتقلبات السياسية والفساد واستنزاف الموارد، ومن التدخل في الشؤون الداخلية لدولها.. وحدها الديمقراطية النابعة من أصالة المنطقة قادرة على ضمان الحقوق والحريات الأساسية وتحقيق السلم والعدالة الاجتماعية، وعلى دفع الانتهازيين الذين يعرقلون العمليات السياسية، وتقلقهم الاستحقاقات الانتخابية الناجحة، وترعبهم الشرعية والاحتكام إلى الإرادة الحرة للشعوب... 

لهذا، نفتخر في بلادي بنجاح الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع من سبتمبر الجاري وبالتجربة الديمقراطية التي ازدادت نضجا وشكلت مرحلة مفصلية جديدة في الجزائر الجديدة التي يستكمل بناءها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بعد أن حظي بثقة الشعب للمرة الثانية نظير التزامه بوعوده.. الديمقراطية في الجزائر ليست شعارات وطقوس بل ممارسات ودروس واستعداد لرفع التحديات ومواصلة حصد الإنجازات بتلاحم فريد بين الشعب وقيادته وجيشه الشعبي الوطني سليل جيش التحرير الوطني بحق وجدارة، وذلك في إطار مرجعيتنا التاريخية والدستورية... إنها منظومة متكاملة قائمة على التقييم الذي لا يتجاهل النقائص، وعلى التقويم الذي يجسد تطلعات الجزائريات والجزائريات نحو مزيد من المكاسب في دولة الحق والقانون.

ومن هذا المنبر البرلماني الإفريقي، أدعو إلى تكثيف الجهود وتنسيق المواقف من أجل بناء مستقبل أفضل لأبناء القارة، وإيجاد حلول إفريقية ناجعة لمشاكل إفريقيا، والتكاتف مع الجزائر بوصفها عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، في مسعاها إلى رفع الظلم عنها وإصلاح هذا المجلس لتمكين القارة المظلومة من مقعد دائم في هذه الهيئة.. ومن أجل بلوغ هذا الهدف المشروع، يجدر بنا العمل أولا في إطار منظماتنا القارية الجامعة، على رفع ظلم الأفارقة عن إفريقيا، عبر تخليص الشعب الصحراوي من براثن الاستعمار وتمكينه من حقه في تقرير مصيره، وعبر احترام حق ممثليه الشرعيين في المشاركات الدبلوماسية الدولية كعضو كامل الحقوق في الاتحاد الإفريقي وفي البرلمان الإفريقي، وعدم التشويش بابتذال على مساهماته الفاعلة والمشروعة في برامج التعاون والشراكة، تحضيرا لبناء دولته الحرة المستقلة... كما يجدر بنا كبرلمانيين ممثلين للشعوب الارتقاء بأدائنا البرلماني في إطار البرلمان الإفريقي الذي يحيي هذا العام الذكرى العشرين لتأسيسه، والتوقف للتقييم والإصلاح وتجديد العهد مع المبادئ السامية لميثاقه، وتبني القطيعة مع السلوكات المؤسفة التي طبعت أداءه في الفترة الأخيرة وأساءت إلى سمعته، وشغلته عن تجسيد أهدافه النبيلة...

في الأخير، وفي لقائنا البرلماني الكريم هذا نستحضر مأساة الشعب الفلسطيني في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، والإبادة الجماعية التي يتعرض لها من طرف الاحتلال الإسرائيلي المجرم.. وما يتبعها من إبادة ممنهجة للنظام التعليمي الفلسطيني عبر قتل المتمدرسين والمؤطرين وتدمير المدارس والبنى التحتية التعليمية ... استهداف التعليم كان ولا يزال منهجا مفضلا للاستعمار الاستيطاني ماضيا وحاضرا من أجل محو الهوية الأصيلة للشعوب المحتلة وطمس إرثها الثقافي وتكريس الاستعمار الفكري .... خبرنا ذلك، ونؤكد من تجربتنا التاريخية للجزائر المنتصرة، أن كل السياسات الاستعمارية لا تشكل إلا دافعا للكفاح والتحرر والصمود.

شكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الألبوم

مجلس الأمة، جميع الحقوق محفوظة © 2024 م
Powered by : KYO Conseil