
نبذة تاريخية
14 أكتوبر 2024 / الصفحات الخاصة.
تأسس مجلس الأمة بموجب الدستور المعدل والمتمّم بتاريخ 28 نوفمبر 1996؛ الذي اعتمد نظام الغرفتين أو المجلسين أو ما يعرف بنظام الثنائية البرلمانية (Système bicaméral – le bicaméralisme)، الذي تبنته الجزائر، ممثلا في المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة على غرار العديد من بلدان العالم اليوم (أكثر من سبعين دولة).
ويندرج استحداث مجلس الأمة ضمن سياق استكمال مسار بناء الصرح المؤسساتي بإنشاء مؤسسات جديدة وديمقراطية في البلاد، وهو المسار الذي واكب الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 16 نوفمبر 1995 في إطار برنامج الإصلاح والتجديد الوطنيين اللذين بادرت بهما الدولة الجزائرية وقتذاك بقيادة رئيس الجمهورية، السيد اليامين زروال.
وقد تم تنصيب مجلس الأمة يوم 4 جانفي 1998 بمقره الكائن بقصر "الشهيد زيغود يوسف"، بالجزائر العاصمة.
وقد تنوعت الدواعي والدوافع التي دفعت الجزائر إلى استحداث مجلس الأمة بين تحولات سياسية وتداعيات أمنية وفراغ مؤسساتي، شكّلت جميعها حافزا نحو تقويم المسار الديمقراطي وفق المتطلبات الجديدة واستحداث غرفة ثانية للبرلمان، وذلك بعد أن كان برلمان الجزائر أحاديا بمجلس وحيد هو المجلس الشعبي الوطني، فالنظام البرلماني الأحادي هو ما يناسب مرحلة ما بعد الاستعمار، من أجل وضع القواعد الأولى لبناء الجزائر المستقلة، وقد نجحت الغرفة الوحيدة في ذلك رغم صعوبة الوضع الجديد، وجسّدت شعبية وديمقراطية الجمهورية مثلما أوصى بها بيان أول نوفمبر 1954، وأدت مهمة التشريع وساهمت في ترسيخ الاستقرار السياسي والمؤسساتي والاجتماعي في البلاد.
ويمكن تلخيص أهم دواعي ودوافع استحداث غرفة ثانية للبرلمان الجزائري في الآتي:
- إرادة المؤسس الدستوري الجزائري في تعزيز الديمقراطية التشاركية، قائمة على الفصل بين السلطات، وترسيخ دولة الحق والقانون وضمان المزيد من الاستقرار والتوازن.
- مواكبة التطور والتجاوب مع الحركية التي يعرفها عالم اليوم وفي نفس الوقت عدم التنكّر للخصوصية الثقافية والحضارية للبلاد.
- توسيع التمثيلية الوطنية قاطبة ضمن مجلسين تشريعيين ووفق نمط جديد للاقتراع مختلف تماما عن الغرفة الأولى (المجلس الشعبي الوطني) بحكم طبيعة تشكيلته وتركيبته البشرية.
- ضمان استمرارية مؤسسات الدولة وديمومتها وصيانتها من أي انحراف مؤسساتي أو سياسي بعد الصعاب والمحن التي عاشتها الجزائر طيلة عقد كامل من الزمن من إرهابٍ همجيٍّ، حصد الأرواح والممتلكات، وضياع هيبة الدولة ومصداقية مؤسساتها؛ وبالتالي يشكّل مجلس الأمة صمّام الأمان للدولة ومؤسساتها.
إذن، تم تأسيس مجلس الأمة بموجب دستور 1996 المعدل والمتمم، ونصب رسميًا يوم الرابع (4) من شهر جانفي سنة 1998، وهو تأسس في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية عصيبة عاشتها البلاد، ظروف هدّدت وجود الدولة وأمنها واستقرارها، بل ونظامها الجمهوري.
فقد شكّل إنشاء مجلس الأمة حدثا تاريخيا هاما، وإعلانا عن بداية مرحلة أخرى تناسب الطموحات المتجدّدة للشعب، وتتماشى وحتمية التغيير واستدراك النقائص من أجل حماية مؤسسات الدولة ونظامها الجمهوري، وتكريس الديمقراطية التشاركية، وتعزيز مساهمة الجزائريات والجزائريين في الحياة السياسية وصناعة القرار، وذلك عبر الارتقاء بالأداء البرلماني وتوسيع تمثيل الشعب في مؤسسة التشريع والرقابة.
وهكذا عمل مجلس الأمة منذ تأسيسه عام 1996 وأدَّى دوره على الرغم من التحديات التي واجهته عند الانطلاقة، وذلك من خلال آليات حدّدها الدستور وينظمها القانون العضوي الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وعملهما، وكذا العلاقة الوظيفية بينهما وبين الحكومة، وذلك بتدرج تقتضيه حداثة التجربة، فتولَّى مهمة التشريع وحرص على تأدية مهمة مراقبة عمل الحكومة بكل روح مسؤولية، فدرس وصادق على مجموع النصوص القانونية التي تحكم البلاد الآن، العضوية منها والعادية، وخاصة النصوص ذات الصلة بسياسة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي قامت بها الدولة.
وخلال الست والعشرين (26) سنة الماضية (1998-2024) عرف مجلس الأمة في أدائه محطات عديدة هامة، بدأها ببناء ذاته؛ وفيها كيَّف أسلوب عمله مع التطورات التي شهدتها الجزائر؛ ويواصل اليوم عمله على طريق بناء جمهورية جديدة لجزائر جديدة ومنتصرة، التي يُرسي معالمها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.
كما كان خلالها لأعضاء مجلس الأمة بالتكامل مع نواب المجلس الشعبي الوطني شرف المساهمة في مراجعة الدستور أكثر من مرة؛ أولاها كان التعديل الدستوري الذي كرّس تمازيغت لغة وطنية سنة 2002؛ ثم التعديل الدستوري لسنة 2008 الذي جاء لتحصين رموز الثورة وثوابت الأمة وترقية حقوق المرأة وتكريس سيادة الشعب في اختيار من يوليه شرف تسيير شؤونه العامة؛ وقام بالمصادقة على دستور 7 فبراير 2016، الذي تم بموجبه فتح عهدٍ جديدٍ في الممارسة الديمقراطية، وخصّ مجلس الأمة بحق المبادرة القانونية والأسبقية عن المجلس الشعبي الوطني في دراسة ومناقشة والتصويت (أي حق التعديل) على اقتراحات ومشاريع القوانين ذات الصلة بالتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإقليمي؛ وكذا التنصيص على تحقيق التوازن ما بين المؤسسات الدستورية في البلاد. وفي يوم السبت 12 سبتمبر 2020 صادق مجلس الأمة على التعديل الدستوري الذي بادر به رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون؛ وزكّاه الشعب الجزائري في الفاتح من نوفمبر 2020، والذي بموجبه تمّ التأسيس لعهد الجمهورية الجديدة.
يحتوي الدستور المعدَّل في الفاتح نوفمبر من سنة 2020 على 225 مادة، خص منها البرلمان بغرفتيه بتسع وأربعين (49) مادة، أي بإضافة خمس مواد جديدة مقارنة بدستور سنة 2016 (44 مادة).
وقد ظل مجلس الأمة، منذ تنصيبه في 4 جانفي 1998 إلى غاية نهاية سنة 2019، يتشكل من 144 عضوا: 96 عضوا (2/3) منتخبا من بين ومن طرف أعضاء المجالس الشعبية البلدية والمجلس الشعبي الولائي بعدد عضوين إثنين (02) عن كل ولاية؛ و48 عضوا (1/3) معينا من قبل السيد رئيس الجمهورية من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية في المجالات العلمية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية (الفقرة 3 من المادة 121 من دستور 2020)، المشهود لها بالمعرفة والحكمة والتفاني في خدمة المصلحة العليا للوطن.
وبموجب صدور القانون رقم 19-12 المؤرخ في 14 ربيع الثاني عام 1441 الموافق 11 ديسمبر سنة 2019، الذي يُعدِّل ويُتمِّم القانون رقم 84-09 المؤرخ في 2 جمادى الأولى عام 1404 الموافق 4 فبراير سنة 1984 والمتعلّق بالتنظيم الإقليمي للبلاد، تمّت ترقية 10 مقاطعات إدارية المنشأة على مستوى الجنوب والموزعة على 8 ولايات إلى ولايات كاملة الصلاحية ويتعلق الأمر بعشر (10) ولايات جديدة هي: تيميمون، برج باجي مختار، أولاد جلال، بني عباس، إن صالح، عين قزام، تڤرت، جانت، المغير والمنيعة؛ فأصبح التنظيم الإقليمي الجديد للبلاد يتشكل من 58 ولاية و1541 بلدية.
وبالتالي ارتفع عدد الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمة من 96 عضوًا إلى 116 عضوًا بإضافة 20 عضوًا جديدًا (عضوين إثنين (2) عن 10 ولايات جديدة)؛ كما يرتفع تبعًا لذلك عدد أعضاء الثلث الرئاسي المعيّن بعشرة (10) أعضاء، ليُصبحً عددهم 58 عضوًا. وهكذا يًصبح عدد أعضاء مجلس الأمة كالتالي: 116 عضوًا منتخبًا + 58 عضوًا مًعيّنًا = 174 عضوًا.
ويتم تجديد نصف تشكيلة مجلس الأمة (منتخبين ومعيّنين) أي 87 عضوا (58 عضوا منتخبًا و29 عضوا معيّنًا) كل ثلاث (03) سنوات، وتُسمى هذه العملية بالتجديد الجزئي أو النّصفي.
وتجدر الإشارة أنّ المؤسس الدستوري قد نصّ ضمن الأحكام الانتقالية لدستور 1996 على أن تجري قرعة، بعد ثلاث (03) سنوات من تأسيس مجلس الأمة لإنهاء عهدة نصف عدد أعضاء مجلس الأمة المعيّنين والمنتخبين واستخلافهم ثمّ تتم عملية تجديد تشكيلة مجلس الأمة بالنِّصف بصفة آلية كلّ ثلاث (03) سنوات.
ويشترط في عضوية مجلس الأمة بلوغ سن الخامسة والثلاثين؛ وقد حُدِّدت عهدة عضو مجلس الأمة بست (06) سنوات.
إنّ تركيبة مجلس الأمة قد مزجت بين آليتي الانتخاب والتعيين بتغليب الأولى على الثانية لتدعيم وضمان التمثيل الشعبي بهذه الغرفة الثانية للبرلمان؛ والهدف من تواجد أعضاء منتخبين في مجلس الأمة هو تمكينهم من حمل ونقل انشغالات واهتمامات ممثليهم في الخلية الأساسية للمجتمع أي البلدية أو بعبارة أخرى على المستوى المحلي إلى السلطات المركزية عبر قنوات السلطة التشريعية ومختلف آلياتها الرقابية لعمل الحكومة. أما آلية التعيين فإنها تفسح المجال أمام أصحاب الكفاءات الوطنية حتى يُستفاد من خبراتهم وقدراتهم.
يحكم سير مجلس الأمة وتنظيمه نصوص تأسيسية (الدستور) ونصوص تنظيمية تتمثل أساسا في القانون العضوي رقم 99/02 المؤرخ يوم 20 ذي القعدة عام 1419 الموافق 8 مارس سنة 1999، الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، المُعدَّل والمتمَّم؛ وفي النظام الداخلي لمجلس الأمة الذي أقره المجلس في جلسة علنية يوم 24 رمضان عام 1418 الموافق 22 جانفي 1998.